كيف ترسم خريطة العقل-توني بوزان
يعتبر رسم خريطة العقل أحد الأساليب التي أحدثت ثورة في التخطيط وتدوين الملاحظات مما غير حياة ملايين البشر عبر العالم، وكتاب “كيف ترسم خريطة العقل” كتب ليكون دليلا في عالم خرائط العقل..
مؤلف الكتاب هو توني بوزان، والذي وصفته جريدة نيويوركر بأنه “الإسم الأكبر في الذاكرة”، وهو مؤسس ذلك الأسلوب الجديد في تدوين الملاحظات، معتمدا على أسلوب إغريقي قديم في ربط المعلومات بروابط ذهنية متصلة، بحيث تمكن العقل من التعامل مع الملاحظات بسرعة عالية، وبنفس الأسلوب الذي يتعامل به العقل مع الأفكار داخليا أثناء التفكير، وقد توصل إليه بعد معاناته أثناء شبابه من تشوش أفكاره واحتياجه إلى أداة قوية لتنظيم أفكاره ومعارفه، وأسعده بعدها أن يجد أن كبار المفكرين كانوا يعتمدون بشكل ما على أسلوب قريب من طريقته باستخدام الصور المعبرة عن الأفكار.
وقد قام بشرح أسلوبه شرحا وافيا باستخدام الأمثلة المصورة، والقصص والتجارب الواقعية التي أوردها في كتابه، في 132 صفحة من الطباعة الفاخرة بالحجم الصغير، من ترجمة وإصدار مكتبة جرير.
ويعتمد أسلوب التدوين الذي قدمه توني بوزان أساسا على الربط الذهني والتخيل، لأن العقل البشري لا يفكر بالحروف كما نكتبها، وإنما يفكر في الصور المحسوسة والألوان..تماما كما ضرب مثالا لذلك فقال: “عندما نذكر كلمة فاكهة فإنه لا يتبادر إلى ذهنك حروف هذه الكلمة فـ ـا كـ ـهـ ـة، وإنما يتبادر إلى ذهنك صورة فاكهة معينة أو ربما سلة مليئة بالفواكه”.
وعلى هذا الأساس اعتمد توني بوزان لتطوير طريقة جديدة تستخدم نفس أسلوب التفكير لدى العقل البشري، والذي شبهه بمكتبة تحتوي قدرا كبيرا من المعلومات واختار أن تكون طريقة الخريطة الذهنية هي آداته الفائقة السرعة للوصول إلى البيانات، وتعتمد طريقته أساسا على تصوير الموضوع الأساسي بصورة معبرة، ومن ثم الأفكار المتربطة بالموضوع بصور ذات علاقة مع إرفاقها بكلمة مفتاحية واحدة دالّة على الفكرة، بحيث تكفي نظرة واحدة إليها لتحديد الفكرة المطلوبة في العقل البشري، ومن ثم ربط تلك الأفكار بالكامل في خريطة واحدة مع باقي الأفكار المشتركة في نفس هذا المجال، وهو يرى أن هذه الطريقة من شأنها أيضا –إضافة إلى سرعتها الفائقة في التذكير بالبيانات الهامة- أن تجعل العقل البشري أكثر قابلية لتلقي البيانات والتعامل معها بكفاءة أكبر حتى مع زيادتها، إذ أن جميع هذه البيانات ستدخل في شبكة مترابطة من الروابط الذهنية.
ولذا تعد هذه الطريقة مثالية لتدوين الملاحظات واستخدامها في تيسير كثير من الأمور مثل:
- الإعداد لتقديم العروض، وإعداد البيانات، والتواصل مع الآخرين.
- ابتكار أفكار عبقرية.
- إقناع الآخرين والتفاوض معهم.
- تذكر الأشياء.
- تحديد الأهداف الشخصية.
- القدرة على تنظيم حياتك.
- زيادة سرعة وكفاءة الدراسة.
الميزة الأساسية في هذا الأسلوب هو أنه يتيح لمستخدمه أن يدون موضوعا كاملا بكل ما فيه من أفكار في ورقة واحدة، “ولأن الصورة الواحدة قد تعبر عن ألف كلمة” كما يقول المؤلف، فإن تلك الورقة الواحدة قد تكفي لتلخيص خطبة تستمر إلى نصف ساعة، شاملة لأفكارها وموفرة لصاحبها القدرة على الإحاطة بالموضوع من جميع جوانبه، وهو ما سيقضي على أي توتر قد يصيب مقدم الخطبة فيمكنه من تقديم موضوعه بكل يسر وبأسلوبه الطبيعي على سجيّته.
كذلك فقد قام بتقديمها على أنها أسلوب أمثل للإعداد للمكالمات التليفونية الهامة إذ تتيح لك جمع أفكارك كلها قبل الشروع في بدء المكالمة وهي بذلك تقلل من احتمال حدوث الإحباط الناجم عن أنك “تذكرت للتو” بعد إنهائك للمكالمة، وهو يراها أيضا أسلوبا أمثلا لتلخيص الكتب بحيث يمكنك من جمع الأفكار الواردة فيها بحيث تتمكن من الإلمام بها بشكل عام، وحتى الاستعداد للتسوق وترتيب مهام الأسبوع وبرامج الإجازات..قد يتم بشكل أمثل عن طريق الخرائط الذهنية.
من مميزات هذه الطريقة أيضا أنها تستغل فصّي المخ استغلالا كاملا، فهي تستغل الفص الأيمن الذي يعنى بالصور والألوان، إلى جانب استغلالها للفص الأيسر الذي يعنى بالبيانات والتحليل، لذا يشبه المؤلف الفرق بين استخدام تلك الطريقة وعدم استخدامها بأنه كالفرق بين عدّاء ربطت إحدى يديه بإحدى رجليه وآخر يركض حر الحركة..ولذا فإن هذه الطريقة توفر لمستخدمها سرعة أكبر في تذكر البيانات بالإضافة إلى ما في استخدامها من متعة كبيرة للعقل.
قام الكاتب في النهاية بذكر السبب الرئيسي في مشاكل التدوين الخطية العادية وفيه يكمن الفرق بين طريقته وتلك الطريقة، إذ أن الطريقة الخطية للتدوين توفر نفس الإيقاع من البيانات بشكل رتيب ممل، وعندما يجد العقل البشري أمرا مملا فإنه دائما ما يتوقف عن التفكير فيه، ولذا تعد طريقة الخريطة الذهنية طريقة مثالية للتركيز الكامل لتوفير القدرة على التفكير الإبداعي..
كتاب “كيف ترسم خريطة العقل” هو كتاب ممتع يفتح آفاقا متعددة ويقدم طريقة جديدة في تدوين الملاحظات والتحضير للّقاءات وتنظيم الأفكار والذاكرة، وهي طريقة جديرة بالتجربة فعلا ولا يعيبها –برأيي- سوى أنها قد لا توفر إمكانية التدوين الآني السريع..